مهاجرو تونس في العراء تحت تهديد الترحيل التعسفي

مهاجرو تونس في العراء تحت تهديد الترحيل التعسفي

12 ديسمبر 2023
خيام لمهاجرين أفارقة بالعاصمة تونس (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

تشهد تونس منذ سنوات توافد آلاف المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء عبر الحدود البرية مع ليبيا، أملاً في الوصول إلى الضفة الأوروبية عبر رحلات هجرة سرّية، ودأب غالبية هؤلاء المهاجرين على الإقامة لفترة قصيرة في تونس من أجل جمع مال يكفي لكلفة رحلات الهجرة، وهم يسكنون ضمن مجموعات بهدف تقاسم الإيجار، واعتاد التونسيون على وجودهم في المدن، وحتى في بعض القرى. 
وتؤكد منظمات حقوقية تنشط في مجال الهجرة أنّ تونس بلد عبور، ولا تطول الإقامة فيها قبل الانتقال إلى أوروبا. لكن الأعداد تزايدت، وشهدت مدن عدة، خصوصاً صفاقس التي تنطلق غالبية رحلات الهجرة السرّية من شواطئها، انتشاراً المهاجرين في الساحات العامة التي اختار بعضهم النوم فيها بسبب عدم قدرتهم على تأمين مساكن، ما أغضب الأهالي الذين احتجوا على الاكتظاظ والفوضى، وأحياناً أعمال الشغب. 

وفي مطلع يوليو/ تموز الماضي، اندلعت اشتباكات بين عشرات المهاجرين وسكان في صفاقس، ما تسبب في وفاة تونسي. وأعقب ذلك نقل الشرطة التونسية مئات من المهاجرين إلى الحدود مع ليبيا والجزائر، لتتركهم في الصحراء قبل أن يعودوا مجدداً إلى صفاقس منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، ما دفع الشرطة إلى إخلاء الساحات العامة التي نصبوا فيها خياماً للوقاية من حرارة الشمس، ثم نقلتهم إلى مناطق ريفية، مثل العامرة وجبنيانة. 
ورفض سكان المناطق الريفية وجود المهاجرين، وطالبوا السلطات بإخراجهم، خصوصاً بعدما تعرضت أراضيهم الزراعية لاعتداءات ألحقت أضراراً بأشجار الزيتون، وذلك إثر نصب المهاجرين خياماً صغيرة تحت هذه الأشجار لإيوائهم.
يقول المهاجر السوداني عبد الناصر (35 سنة) لـ"العربي الجديد": "دخلت تونس قبل ستة أشهر، ولم أجد أي عمل رغم أنني بحثت في مدن عدة. ثم عدت إلى مدينة صفاقس للمشاركة في رحلة للهجرة السرّية، لكن ذلك لم يحصل بسبب تشديد الرقابة الذي منع تنظيم رحلات. ولاحقاً جرى نقلي مع آخرين إلى مناطق ريفية بسبب اكتظاظ الساحات العامة في مدينة صفاقس، وحصول أعمال شغب فيها".
ويؤكد أنه يبحث يومياً عن عمل، ثم يعود إلى منطقة العامرة التي نقِل إليها للعيش في المزارع، وهو ما رفضه أصحاب هذه الأراضي. ويقول: "لا نعلم ماذا سيحدث لنا في المستقبل في ظل رفض الأهالي وجودنا رغم أننا كنا اتخذنا ظلال أشجار الزيتون أماكن إيواء حتى إيجاد حلّ لنا". 

الصورة
تتواجد خيام لمهاجرين أفارقة في تونس منذ سنوات (العربي الجديد)
تتواجد خيام لمهاجرين أفارقة في تونس منذ سنوات (العربي الجديد)

وأشار المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في تقرير أخير، إلى أنّ "السلطات التونسية استغلت احتجاج الأهالي ذريعة لتنفيذ حملة اعتقالات طوال الأيام الماضية، وبعدها عمليات ترحيل قسري وغير قانوني تحت التهديد بهدف تطهير المدينة من المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، ونقلهم من مركز ومحافظات ولاية صفاقس إلى وجهات مجهولة".
وأكد التقرير أن "تصرفات السلطات التونسية تنتهك بوضوح أحكام الاتفاق رقم 1951 الخاص بوضع اللاجئين الذي صادقت عليه تونس عام 1957". 
وأدان المنتدى مع عدد كبير من منظمات المجتمع المدني انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها سكان جنوب الصحراء المتواجدون في تونس، ودعا إلى "التدخل العاجل لوضع حد لعمليات الإعادة القسرية التعسفية وغير القانونية، وضمان الرعاية اللازمة والكريمة لهؤلاء الأشخاص والسماح للمنظمات الإنسانية بمساعدتهم". 

الصورة
تطالب منظمات إنسانية بالسماح بتوفير مساعدات للمهاجرين الأفارقة في تونس (العربي الجديد)
تطالب منظمات إنسانية بالسماح بتوفير مساعدات للمهاجرين الأفارقة (العربي الجديد)

كما حثت العديد من المنظمات الحقوقية السلطات التونسية على اتخاذ القرارات السياسية اللازمة بسرعة لإنشاء آلية ومسار واضح لرعاية الأجانب الذين يصلون عبر البحر، وضمان المعاملة الإنسانية اللازمة وفقاً لالتزامات تونس الدولية.
من جهتها نددت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بترحيل المهاجرين إلى الصحراء أو الأراضي الزراعية بعيداً عن مراكز المدينة. ونقلت في بيان أصدرته شهادات لمهاجرين أكدت أن "أشخاصاً عدة ماتوا أو قُتلوا بعد إبعادهم من صفاقس إلى المنطقة الحدودية بين 2 و5 يوليو/ تموز الماضي". 

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

وذكر البيان أن "هؤلاء المهاجرين تعرضوا لضرب أو إطلاق نار من الجيش التونسي أو قوات الحرس الوطني، وهم يحملون جنسيات دول أفريقية بينها  ساحل العاج والكاميرون ومالي وغينيا وتشاد والسودان والسنغال، وبينهم نساء وأطفال".  
ولا يقتصر وجود المهاجرين الأفارقة في العراء على محافظة صفاقس أو محافظات الجنوب فقط، إذ يتواجد عدد كبير منهم في مدن عدة، والذين ينامون في حدائق وساحات عامة بسبب عدم قدرتهم على تأمين مساكن، أو دفع إيجارها. وأدى ارتفاع عددهم في تونس إلى صعوبة حصول عدد كبير منهم على عمل يسمح لهم بدفع تكاليف الإيجار أو حتى تأمين تكاليف رحلة الهجرة إلى أوروبا. 

المساهمون